المصدر: معهد سميثسونيان، المتحف الوطني للطيران والفضاء
اختبرت جمعية الصواريخ الأمريكية محرك الصاروخ M15-G1 في يونيو عام 1942. من اليسار: هيو بيرس وجون شيستا ولوفيل لورانس ، ثلاثة من مؤسسي شركة ريأكشن موتورز

تم تجريب مبادئ علم الصواريخ لأول مرة منذ أكثر من 2000 سنة، ولكن لم يتم استخدامها في تطبيقات استكشاف الفضاء إلا في السنوات السبعين الماضية أو ما يقرب من ذلك. أما اليوم، تقوم الصواريخ بصورة دورية بنقل المركبة الفضائية إلى الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي. أما للمسافات القريبة من الأرض، فيمكن للصواريخ حمل الإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية والعودة إلى الأرض، والهبوط من تلقاء نفسها ويمكن استخدامها مرة أخرى.

كان هناك حكايات عن تكنولوجيا الصواريخ التي استخدمت منذ آلاف السنين. على سبيل المثال، حوالي عام 400 قبل الميلاد، قام الفيلسوف والرياضي اليوناني أرخيتاس (Archytas) بعرض حمامة خشبية تم تعليقها على الأسلاك وتم دفع الحمامة من خلال انبعاث البخار، وفقا لوكالة ناسا.

وأضافت ناسا أنه بعد 300 سنة من تجربة الحمامة، يُقال إن هيرو الاسكندري (Hero of Alexandria) قد اخترع جهاز (aeolipile) (والذي يطلق عليه اسم محرك هيرو Hero’s engine). وهي أداة ذات شكل كروي مثبتة فوق بركة ماء مغلية، حيث يخرج الغاز المتكون من الماء المتبخر عبر أنبوبان على شكل حرف (L) على جانبين متقابلين للشكل الكروي والضغط العالي الناجم من البخار المنبعث يجعل الشكل الكوري يدور.

يعتقد المؤرخون أن الصينيين قد طوروا أول صواريخ حقيقية خلال القرن الأول بعد الميلاد. وقد استخدموها في العروض الملونة خلال المهرجانات الدينية، على غرار الألعاب النارية الحديثة.

على مدى مئات السنوات القليلة التالية، استخدمت الصواريخ بشكل أساسي كأسلحة عسكرية، بما في ذلك نسخة أطلق عليها اسم صاروخ كونغريج (Congreve rocket)، طورها الجيش البريطاني في أوائل القرن التاسع عشر.

في العصر الحديث، غالباً ما يعترف أولئك الذين يعملون في رحلات الفضاء بثلاثة “آباء علم الصواريخ” ساعدوا في أطلاق الصواريخ الأولى إلى الفضاء. عاش واحد فقط من الثلاثة لفترة كافية لرؤية صواريخ تستخدم لاستكشاف الفضاء.

وفقاً لوكالة ناسا، نشر الروسي كونستانتين إي. تسيولكوفسكي (Konstantin E. Tsiolkovsky) (1857-1935) ما يعرف الآن باسم “معادلة الصواريخ” في عام 1903، في مجلة الطيران الروسية. تتعلق المعادلة بالعلاقة بين سرعة الصاروخ والكتلة، وكذلك مدى سرعة خروج الغاز عندما يخرج من عادم نظام الدفع ومقدار الطاقة الدافعة. كما نشر تسياكوفسكي نظرية عن صواريخ متعددة المراحل في عام 1929.

وفقا لوكالة ناسا، كان الفيزيائي الأمريكي روبرت جودارد (Robert Goddard) (1882-1945) أول من اطلق صاروخ يعمل بالوقود السائل لمسافة مرتفعة في أوبورن، بولاية ماساتشوستس، في 16 مارس 1926. وكان يحمل براءة اختراع أمريكية لاستخدام صواريخ تعمل بالوقود السائل، وصاروخ من مرحلتين أو ثلاث مراحل باستخدام الوقود الصلب.

ولد هيرمان اوبرث (Hermann Oberth) (1894-1989) في رومانيا وانتقل بعد ذلك إلى ألمانيا. وفقا لوكالة ناسا، أصبح مهتمًا بعلم الصواريخ في سن مبكرة، وفي سن الرابعة عشر تصور “صاروخ الارتداد” الذي يمكن أن يتحرك عبر الفضاء مستخدمًا العادم الخاص به فقط. كشخص بالغ، شملت دراسته صواريخ متعددة المراحل وكيفية استخدام صاروخ للتخلص من جاذبية الأرض. إرثه ملوث بحقيقة أنه ساعد في تطوير الصاروخ V-2 لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية التي تم استخدامها لتفجيرات مدمرة في لندن. عاش أوبرث لعقود بعد استكشاف الفضاء وشاهد الصواريخ التي تأخذ الناس إلى القمر ومكوك الفضاء القابل لإعادة الاستخدام وهو يحمل الطواقم إلى الفضاء مرارًا وتكرارًا.

بعد الحرب العالمية الثانية، هاجر العديد من علماء الصواريخ الألمان إلى كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، لمساعدة تلك البلدان في سباق الفضاء في ستينات القرن العشرين. في هذا السباق تنافس كلا البلدين لإظهار التفوق التكنولوجي والعسكري، باستخدام الفضاء كأقصى ما وصل إليه العلم.

استخدمت الصواريخ في أخذ قياسات الإشعاع في الغلاف الجوي العلوي بعد التجارب النووية. توقفت التفجيرات النووية في الغالب بعد معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963.

وفي حين أن الصواريخ تعمل بشكل جيد داخل الغلاف الجوي للأرض، كان من الصعب معرفة كيفية إرسالها إلى الفضاء. كانت هندسة الصواريخ في مهدها ولم تكن أجهزة الكمبيوتر قوية بما يكفي لإجراء عمليات المحاكاة. وهذا يعني أن العديد من اختبارات الطيران انتهت بصواريخ تنفجر بشكل هائل بعد ثوان أو دقائق من مغادرة منصة الإطلاق.

مع مرور الوقت وازدياد الخبرة، تم إحراز تقدم. تم استخدام صاروخ لأول مرة لإرسال قمراً سوفيتياً إلى الفضاء في مهمة سبوتنيك (Sputnik mission)، التي أُطلقت في 4 أكتوبر 1957. استخدمت الولايات المتحدة صاروخًا من طراز جوبيتر C (Jupiter-C rocket) لارسال قمرها الصناعي اكسبلورر 1 – (Explorer 1) إلى الفضاء في 1 فبراير 1958، بعد عدة محاولات فاشلة.

استغرق الأمر عدة سنوات قبل أن يشعر أي من البلدين بالثقة الكافية لاستخدام الصواريخ لإرسال الأشخاص إلى الفضاء، بدأ كلا البلدين بالحيوانات (القرود والكلاب ، على سبيل المثال). كان رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين (Yuri Gagarin) أول إنسان يصل إلى الفضاء، تاركا الأرض في 12 أبريل 1961، على متن صاروخ فوستوك-كي (Vostok-K) متعدد الرحلات. بعد حوالي ثلاثة أسابيع، قام آلان شيبارد (Alan Shepard) بأول رحلة أمريكية شبه مدارية على متن صاروخ ردستون (Redstone rocket). بعد بضع سنوات في برنامج ميركوري (Mercury program) التابع لوكالة ناسا، تحولت الوكالة إلى صواريخ أطلس (Atlas rockets) لبلوغ المدار، وفي عام 1963 أصبح جون جلين (John Glenn) أول أمريكي يدور حول الأرض.

أما بالنسبة لاستهداف القمر، استخدمت ناسا صاروخ (Saturn V)، الذي يبلغ طوله 363 قدمًا، ويتضمن ثلاث مراحل – حيث كانت المرحلة الأخيرة مصممة لتكون قوية بما يكفي لتخطي جاذبية الأرض. أطلق الصاروخ بنجاح ست رحلات هبوط على القمر بين عامي 1969 و1972. طور الاتحاد السوفييتي صاروخًا من نوع القمر يدعى (N-1)، لكن برنامجه توقف بشكل دائم بعد تأخيرات ومشاكل متعددة، بما في ذلك انفجار قاتل.

استخدم برنامج المكوك الفضائي التابع لناسا (1981 إلى 2011) الصواريخ ذات الوقود الصلب للمرة الأولى لإرسال البشر إلى الفضاء، وهذا أمر بارز لأنه على عكس الصواريخ ذات الوقود السائل لا يمكن إيقاف تشغيلها. كان للمكوك نفسه ثلاثة محركات تعمل بالوقود السائل، مع اثنين من معززات الصواريخ ذات الوقود الصلب مربوطة على الجانبين. في عام 1986، فشل معزز الصواريخ بسبب حلقة مطاطية O-ring وتسبب في انفجار كارثي، مما أسفر عن مقتل سبعة رواد فضاء على متن مكوك الفضاء تشالنجر (Challenger). أعيد تصميم معززات الصواريخ ذات الوقود الصلب بعد الحادث.

ومنذ ذلك الحين، استخدمت الصواريخ لإرسال مركبات فضائية إلى مسافات أبعد في نظامنا الشمسي: بعد القمر، الزهرة والمريخ في أوائل الستينات، ومن ثم التوسع إلى استكشاف العشرات من الأقمار والكواكب. حملت الصواريخ المركبات الفضائية في جميع أنحاء النظام الشمسي بحيث أصبح لدى علماء الفلك الآن صور لكل كوكب (بما في ذلك الكوكب الصغير بلوتو) والعديد من الأقمار والمذنبات والكويكبات والأجسام الصغيرة. وبفضل الصواريخ القوية والمتطورة، تمكنت مركبة فوياجر 1 (Voyager 1) من مغادرة نظامنا الشمسي والوصول إلى فضاء النجوم.

تقوم العديد من الشركات في العديد من البلدان الآن بتصنيع الصواريخ غير المأهولة – مثل الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا، على سبيل المثال لا الحصر – وترسل بشكل روتيني الحمولات العسكرية والمدنية إلى الفضاء.

ويعمل العلماء والمهندسون باستمرار على تطوير صواريخ أكثر تطوراً. وتهدف شركة (Stratolaunch) – وهي شركة تصميم الطائرات الفضائية مدعومة من قبل (Paul Allen) و(Burt Rutan) – إلى إطلاق الأقمار الصناعية باستخدام الطائرات المدنية. كما طورت شركتا سبيس إكس (SpaceX) وبلو أوريجين (Blue Origin) صواريخ في المرحلة الأولى قابلة لإعادة الاستخدام؛ لدى (SpaceX) الآن صواريخ (Falcon 9) قابلة لإعادة الاستخدام والتي تعمل بشكل روتيني على إرسال الشحنات إلى محطة الفضاء الدولية.

حسبما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز يتوقع الخبراء أن تكون صواريخ المستقبل قادرة على حمل أقمار صناعية أكبر إلى الفضاء وقد تكون قادرة على حمل أكثر من قمر صناعي من الحجم الكبير في نفس الوقت. هذه الصواريخ يمكن أن تستخدم مواد مركبة جديدة، أو تكون متطورة في الإلكترونيات أو حتى الذكاء الاصطناعي لأداء مهامها. وقد تستخدم الصواريخ المستقبلية أيضًا أنواعًا مختلفة من الوقود السائل – مثل الميثان – الذي يعتبر أكثر أماناً للبيئة من الكيروسين التقليدي المستخدم في الصواريخ اليوم.

ترجمه بتصرف: إيمان بوبشيت من مقال للكتبته: إليزابيث هويل