يُصنف علم الفضاء على أنه علم حديث من علوم المستقبل الأمر الذي أثار اهتمام عالمي على شتى المستويات بعلوم وخفايا الفضاء من المجرات البعيدة إلى مناخ كوكب الأرض. هذا الاهتمام حث عليه أيضاً ديننا الإسلامي الحنيف وقد أشار عليه في أكثر من موضع في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ” إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ” سورة يونس. الباحثون، والطلبة، والشركات، وحتى الأشخاص المهتمين بعلوم الفضاء يريدون الدخول في مجال استغلال الفضاء واستكشافه وتطبيق أفكارهم وبحوثهم عليه، ولكن العائق الرئيسي في هذا المجال كان يتمثل في التكلفة العالية لتصميم، وبناء، وإطلاق المركبات الفضائية التقليدية أما الآن وخلال حقبة ثورة الأقمار الصناعية المكعبة أصبح من الممكن فعل ذلك بتكلفة ووقت أقل نسبياً.

شكل أوائل الأقمار المكعبة

الشكل 1: أوائل الأقمار المكعبة

في عام 1999 قام الدكتوران جوردي بويج-سواري من جامعة كاليفورنيا بوليتكنيك وبوب تويجز من جامعة ستانفورد باقتراح تصميماً معيارياً لأقمار صناعية متناهية الصغر أطلق عليها الأقمار المكعبة (CubeSat) لتمكين الطلبة والباحثين من تصميم، وبناء، واختبار، وتشغيل أقمار صناعية ذات قدرات محدودة وضمن الوقت والقيود المالية لبرامج الدراسات العليا، لغرض اكتساب الخبرة العملية في هندسة الأقمار الصناعية. القمر المكعب سمي بهذا الاسم لشكله المكعب بطول ضلع عشرة سنتيمترات وكتلة حوالي كيلوجرام واحد، وحجم القمر المصغر أتى من الأجزاء الإلكترونية المصغرة التي تساهم في تقليل مساحة وحجم القمر، ولكن هناك قابلية لإنشاء أحجام أكبر حيث يمكن وصل المكعبات معا للقيام بمهام أكثر تعقيداً.

وقد تم إطلاق أول قمر صناعي مكعب في المدار الفضائي عام 2003 من الصاروخ الروسي (Eurockot) – أنظر شكل 1، حيث عادة ما يتم حملها إلى المدار بثمن ضئيل كحمولات ثانوية عند إطلاق أقمار صناعية كبرى، وتنفصل عن الصاروخ أثناء الإطلاق. خلق النجاح الهائل لتكنولوجيا الأقمار المكعبة انتفاضة في الأفكار والمبادرات الجديدة وهذا بدوره شجع على تطوير الأقمار المكعبة لتحليل وتفسير والإجابة عن مجموعة من أهم التساؤلات لدى الإنسان.

بعد عشر سنوات من إطلاق اول قمر صناعي مكعب تم توسعة مجالات استعمال الأقمار المكعب لأغراض غير أكاديمية، حيث كانت للمشاريع التجارية أكثر من نصف عمليات إطلاق الأقمار المكعبة الحديثة، التي أصبحت قادرة على تحقيق إنجازات هامة في مجال غزو الفضاء. بدأت رحلة الأقمار المكعبة التجارية في يناير 2014 حين حملت المركبة الفضائية (Cygnus) 33 أقمار صناعية مصغرة (Nano-Satellites) إلى محطة الفضاء الدولية (ISS). أطلقت هذه الأقمار المصغرة من المحطة الدولية والتي بنيت على معيار شكل القمر المكعب بحجم 10 سم، ووزن حوالي 1 كج.

الشكل 2: عدد إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة من عام 1998 المصدر: https://www.nanosats.eu

تستغرق صناعة الأقمار المكعبة عام أو عامين فقط لاستكمال بناءها وإطلاقها، وتتقلص هذه المدة بزيادة خبرة العاملين عليها، والتكلفة المالية لبنائها. هذا الطفرة التقنية شجعت الكثير على دخول مجال استغلال الفضاء مما عزز ظهور ابتكارات جديدة، وتطوير تقنيات عديدة، وساهم في تعزيز الأبحاث في المجال العلمي. فصغر حجم وقلة تكلفة الأقمار المكعبة أحدثت ثورة عالمية بين العلماء، والطلبة، والشركات الخاصة للمسارعة لاستغلال هذه التقنية لاستكشاف الفضاء واستغلاله بالشكل الأمثل لخدمة التنمية والتطور.

فاقت عدد الأقمار المكعبة حتى يناير عام 2019 أكثر من 1110 مكعب وفقاً لموقع nanosats.eu انظر شكل 2، ويعود هذا إلى استخداماتها المتعددة من الاستجابة للكوارث إلى مراقبة المناخ. وأيضا لصغر حجمها والتكلفة المنخفضة والتي تستمر بالانخفاض بفضل التوجه للإنتاج الكمي بدلا من التصنيع المخصص فيمكن ان تصل التكلفة إلى 100 ألف دولار أو أقل، بالمقارنة بالقمر الصناعي التقليدي الذي يكلف أكثر من نصف مليار دولار، وإلى قصر المدة الزمنية اللازمة لتصميمها، وبنائها، وإطلاقها.

الشكل 3: إطلاق الصاروخ PSLV التابع للهند محتويا 103 قمر مصغر

هذا التوسع في استعمال هذه النوع من الأقمار أدى إلى تسارع أعداد المهندسين، والباحثين، والمهتمين بالعمل في هذه التقنية لاكتساب كل المعرفة والمهارات المتوفرة لاستغلالها في هذه المنصات. فضرورة معرفة كيفية التعامل مع هذه التقنية والنتائج المأخوذة منها أمر لابد منه، لذا جاء الاستثمار في الأفراد من الخطوات الأساسية لدخول ثقافة الأقمار المكعبة ومجال الفضاء.

كما يجد الإشارة انه في عام 2017 أطلقت الهند من خلال مركبة إطلاق القمر الصناعي (PSLV-C37) التابع لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) 103 قمر صناعي صغير – أنظر شكل 3 – وبهذا كسرت الهند الرقم القياسي لأكبر عدد من الأقمار الصناعية التي تم إطلاقها في مهمة واحدة متخطية الرقم السابق لروسيا في عام 2014 والتي أطلقت 37 قمرا صناعياً صغيراً باستخدام صاروخ دنيبر (Dnepr).

بقلم: م. ريم سنان