تقنيات الاستشعار عن بعد

المصدر: ناسا – اكتشاف مصادر الميثان بواسطة الاستشعار عن بعد
المصدر: وكالة الفضاء الأمريكية – صورة لأهرامات الجيزة
تعتبر علوم الاستشعار عن بعد من علوم القرن العشرين الحديثة والتي استحدثت في بادئ الأمر استجابة للطلب الحاد عليها إبان الحرب العالمية الأولى و الثانية حيث استخدمت لأغراض عسكرية منها الاستطلاع وكشف تحركات مجاميع الجنود و التعرف على طبيعة طوبوغرافية الأراضي حتى يتسنى وضع الخطط التفصيلية العسكرية. أشهر البرامج العسكرية التجسسية كان برنامج كورونا (CORONA) الأمريكي والذي استطاع تصوير مناطق حساسة حول العالم بدقة تصل إلى متران خلال الفترة من 1960 إلى 1972 ولم يُسدل الستار عنه إلا في سنة 1995، حيث رُفعت السرية عن ما يقارب 800 ألف صورة فضائية للاستخدام المدني لإتاحة الفرصة للعلماء والمختصين والباحثين في مختلف المجالات لدراستها و تحليلها والاستفادة منها
المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية – صورة توضيحية للقمر الصناعي سينتينال 2
ظهر مصطلح “الاستشعار عن بعد” أول مرة في سنة 1960 حيث عرفه جيمس كامبل (James Campbell) على أنه علم استخلاص المعلومات والبيانات عن سطح الأرض والمسطحات المائية باستخدام صورة ملتقطة من أعلى، وذلك بواسطة تسجيل الأشعة الكهرومغناطيسية المنعكسة أو المنبعثة من سطح الأرض من الأمثلة التوضيحية والقريبة علينا لمبدأ الاستشعار عن بعد هي حاسة البصر لدى البشر، حيث تكشف العين على معلومات هائلة عن طبيعة الأشياء و الظواهر وذلك فقط من خلال النظر من دون اي تلامس . كما هو الحال في الأقمار الصناعية حيث يلعب التفاعل بين الأشعة الكهرومغناطيسية مع المواد المكونة لسطح الأرض لانعكاس درجات معينة من هذه الطاقة تختلف حسب طبيعة كل مادة تُحفظ هذه البيانات على هيئة حزم ضوئية (Bands) على شريط الطيف الكهرومغناطيسي (أنظر صورة رقم (2)) ، حيث نجد ان كيمياء الكلوروفيل لديه القدرة على عكس كمية اكبر من الأشعة تحت الحمراء عن نظيرتها من أنواع الأشعة الأخرى مما يعطي مؤشر على نسبة صحة او اجهاد النباتات.
المصدر: ESRI – الطيف الكهرومغناطيسي
العقد الذي يلي سنة 1960 أضاف لعلوم الاستشعار عن بعد الشيء الكثير، حيث تم تحميل المعدات التصويرية من مستشعرات وأنظمة تحديد المواقع (GNSS) على السواتل الصناعية بعد أن كانت فقط تُحمل على الطائرات ، مما يضيف القدرة على مراقبة مساحة أكبر من سطح الأرض وخارج الحدود الوطنية للدولة المالكة للقمر الصناعي، وذلك خلال فترات زمنية منتظمة وبحسب الحاجة، الأمر الذي أعطى أفضلية نوعية للصور الملتقطة من الأقمار الصناعية عن نظيرتها الملتقطة من الطائرات. خلال هذا العقد أيضاً وفي ظل التطور التقني في مواصفات الحواسيب تم الانتقال من الصور التقليدية (Analog) إلى الصور الرقمية (Digital) والتي أطلقت الشرارة الأولى لمراكز البحوث و الجامعات و وكالات الفضاء لدخول سباق التنافس في كسب براءة الاختراع في بناء البرمجيات و اللوغاريتمات المساعدة لاستخلاص المعلومات النوعية والتي تساعد على فهم وتفسير للصور بشكل أسرع و أكثر ثباتاً و دقة، حيث استطاعت هذه البرمجيات استنباط معلومات خارج نطاق قدرة العين المجردة في تفسير الصور بالتزامن مع قدرة المستشعرات على التقاط بيانات خارج الضوء المرئي مثل الأشعة تحت الحمراء و أشعة الميكرويف على خط الأطوال الموجية للطيف الكهرومغناطيسي
ولم تنحصر موجة التطور البحثي و التقني فقط في برمجيات التحليل، بل أيضاً انتقلت إلى ترقية المعدات التصويرية في الأقمار نفسها، فتم استحداث مستشعرات فعالة (Active Sensors) تستطيع الاعتماد على نفسها في اصدار الإضاءة اللازمة لعملية التصوير باستخدام باقة أطياف الميكرويف والتي تمتاز بقدرتها على اختراق الغيوم و الغبار، وقد أطلق أولها في سنة 1978 وكان يحمل اسم (SeaSat)، وكان مزودا بلاقط يعمل على أشعة الرادار (SAR)، في حين كانت بداية الأقمار الصناعية تعتمد على مستشعرات غير فعالة (Passive Sensors)، والتي تعتمد فقط على أشعة الشمس للتصوير أثناء النهار ، كما هي موجودة في كاميرات الهواتف النقالة في إيادينا اليوم.
المصدر: gisgeography – مستشعرات غير فعالة
المصدر: gisgeography – مستشعرات فعالة
اكتسبت تقنيات علوم الاستشعار عن بعد اهتماماً متزايداً نتيجة للتوسع الملحوظ في مجالاتـه التطبيقية وتطوراتـه التقنيـة العمليـة سعياً للكشف عن خبايا الأرض من الفضاء الواسع والمساعدة على فهم و حصر المشكلات البيئية وتقديم الحلول الناجعة لبيئة مستدامة تلبي طموحات سكان كوكب الأرض، فقد وفرت التطبيقات المختلفة للاستشعار عن بعد المعلومات اللازمة لتحسين صياغة القرارت في مجالات عدة في إدارة المنظومة البيئية (Ecosystem) وإدارة الموارد الطبيعية والتخطيط الاقتصادي والطبيعي ومراقبة التلوث، الأمر الذي جعل من الاستشعار عن بعد أداة تقنية تستطيع المساهمة في عمليات صنع القرار و مراقبة تنفيذه . ونسرد لكم – على سبيل المثال لا الحصر – بعض التطبيقات منها:
- مراقبة الرقعة الخضراء وتقدير المحاصيل الزراعية ومعرفةصحة النباتات وكشف الأمراض الزراعية ان وجدت.
- دراسة أنواع التربة وتقدير مقدرتها الأنتاجية ومدى صلاحيتها للاستخدامات الزراعية.
- دراسة المسطحات المائية وتوجيه استغلالها بجدوى أكبر بالأضافة إلى البحث عن المياه الجوفية.
- دراسة الظواهر الجيولوجية والتصحر والمساهمة في عمليات التنقيب عن النفط و الغاز.
- إدارة الكوارث و الأزمات عن طريق أجهزة الأنذار المسبق مثل رصد البقع النفطية وتوقع اتجاهها.
- دراسة التغييرات المناخية على مستويات مختلفة من سطح الأرض.
- التعرف على المناطق الأثرية والمساعدة في اكتشاف المغمور منها تحت الرمال والحقول.
بقلم: م. إبراهيم آل بورشيد